ديسمبر 1, 2025

تصدر عن مؤسسة جوليا دومنا برس للطباعة والنشر

مايكل هول.. العالم الذي فتح بوابة إطالة العمر

ورغم أن اكتشافات هول شكلت حجر الأساس لعلم “بيولوجيا إطالة العمر”، لم يحصل هول على اعتراف رسمي في هذا المجال إلا في عام 2024.

رويترز- مجلة جوليا دومنا برس

قبل أكثر من ثلاثة عقود، كان العالم السويسري مايكل هول، أستاذ علم الأحياء الجزيئية في جامعة بازل، يسعى إلى فهم طريقة عمل الخلايا، لا إلى البحث عن أسرار الشباب الدائم. لكنه لم يكن يدرك أن أبحاثه ستقوده إلى اكتشاف ثوري غيّر نظرتنا إلى الشيخوخة والسرطان معًا.

في أوائل التسعينات، نجح هول في تحديد الجين الذي يستهدفه مركب دوائي يُدعى الرابامايسين (Rapamycin)، وهو جين يعمل كمفتاح تحكّم داخل الخلايا، يُنظّم نموها وعمليات الأيض بحسب توافر المغذيات من حولها. أطلق عليه اسم “هدف الرابامايسين” (Target of Rapamycin)، أو TOR اختصارًا، ليصبح لاحقًا أحد أهم الاكتشافات في تاريخ علم الأحياء الجزيئية.

من جين صغير إلى ثورة علمية

كان الرابامايسين قد اكتُشف في الأصل من بكتيريا نادرة في الستينيات، واستُخدم لاحقًا كمثبّط لجهاز المناعة في عمليات زرع الأعضاء. لكن أبحاث هول بيّنت أن له دورًا أعمق بكثير: فهو يتحكم في سرعة نمو الخلايا وفي عمليات “التنظيف الذاتي” التي تزيل البروتينات والأنسجة التالفة داخلها — وهي العملية المعروفة باسم الالتهام الذاتي (Autophagy)، وهي التي تضعف مع التقدّم في العمر.

عندما يتباطأ نشاط هذا الجين (TOR) — سواء بفعل الصيام أو بتناول عقار الرابامايسين — تُحفَّز الخلايا على استعادة حيويتها، وتزداد قدرتها على مقاومة الشيخوخة. وهكذا فتح اكتشاف هول الباب أمام مجال علمي جديد بالكامل: إبطاء الشيخوخة وإطالة العمر عبر تنظيم عمل الجينات.

من مختبر بازل إلى جوائز العالم

على مدى العقد التالي، واصل فريق هول أبحاثه ليكتشف أن الجين TOR موجود أيضًا في الثدييات، حيث يُعرف باسم mTOR، وأصبح محورًا رئيسيًا لأبحاث السرطان والشيخوخة. وسرعان ما تسابقت شركات الأدوية لتطوير أدوية قائمة على تثبيط هذا الجين، أبرزها عقار “إيفيروليموس (Everolimus)” الذي أنتجته شركة نوفارتيس السويسرية لعلاج بعض أنواع السرطان.

لكن المفاجأة جاءت من دراسات لاحقة على الحيوانات:

ففي عام 2003، اكتشف علماء في جامعة فريبورغ أن تعطيل بروتين TOR في ديدان صغيرة زاد من أعمارها بنسبة تصل إلى 30%.

وفي عام 2009، أظهرت أبحاث أمريكية أن إعطاء الرابامايسين للفئران أدى إلى إطالة عمرها بنسبة 14% لدى الإناث و9% لدى الذكور.

هذه النتائج جعلت من مايكل هول أحد أبرز الأسماء في تاريخ أبحاث الشيخوخة، حتى إن العالم الهندي-الأمريكي فينكي راماكريشنان (الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 2009) وصفه في كتابه “لماذا نموت” (Why We Die) بأنه “واحد من أعظم العلماء الأحياء في العالم”.

اعتراف متأخر بإنجاز مبكر

ورغم أن اكتشافاته شكلت حجر الأساس لعلم “بيولوجيا إطالة العمر”، لم يحصل هول على اعتراف رسمي في هذا المجال إلا في عام 2024، حين نال جائزة بالزان (Balzan) المرموقة، تقديرًا لإسهاماته التي “أحدثت ثورة في فهم الآليات البيولوجية الكامنة وراء الشيخوخة.”

في مقابلة مع موقع SWI swissinfo.ch قال هول إن سر حيويته في السبعين من عمره لا يكمن في الأدوية، بل في الأساسيات البسيطة:

“التمارين المنتظمة، النظام الغذائي المتوازن، العلاقات الاجتماعية، وربما الجينات الجيدة.”

العلم بين الأمل والحذر

اليوم، لا يزال الرابامايسين العقار الوحيد الذي أثبت علميًا قدرته على إطالة العمر في تجارب متعددة على كائنات مختلفة، من الخميرة إلى الثدييات. لكن تطبيقه على البشر لا يزال موضع جدل، إذ لم توافق الهيئات الطبية على اعتباره دواءً “لمكافحة الشيخوخة”، لعدم وجود تصنيف قانوني للشيخوخة كمرض.

ورغم هذه القيود، تتسارع الأبحاث في مختبرات العالم، من بينها مشاريع تدرس تأثير العقار على الكلاب، بينما يُجرّبه آلاف الأشخاص في الولايات المتحدة ضمن ما يُعرف بـ“مجتمعات إطالة العمر”، التي تؤمن بأن مستقبل الطب سيجمع بين علم الجينات والوقاية الطويلة الأمد.

أما مايكل هول نفسه، فلا يتناول الرابامايسين، لكنه مقتنع بأن أي دواء يثبت يومًا ما قدرته على إطالة عمر الإنسان،

“فإنه سيكون بلا شك مرتبطًا بطريقةٍ ما ببروتين TOR.”

إرث علمي يغيّر المفهوم الإنساني للعمر

لقد أعاد اكتشاف مايكل هول تعريف الشيخوخة من كونها “حتمية بيولوجية” إلى عملية يمكن فهمها وربما التحكم بها. ومن بازل، المدينة السويسرية الهادئة على ضفاف الراين، انطلقت شرارة العلم التي قد تغيّر علاقة الإنسان بالزمن نفسه.